رأى رئيس مجلس إدارة المؤسسة الليبية للاستثمار سابقًا، محسن دريجة، اليوم الأحد، أن فكرة دعم المحروقات في ليبيا، سلاح ذو حدين؛ حيث هناك “عدم العدالة” في التوزيع من جهة، و”حافز للتهريب”، من جهة أخرى.
وأوضح دريجة في لقاء لبرنامج “البلاد” عبر قناة “218” أن عملية الدعم في العموم، الفكرة منها، أن يكون هناك تخفيضًا للأسعار للكثير من السلع التي يستهلكها المواطن، في ظل تدني مرتبات العاملين بالدولة ودخل المواطن الليبي بصفة عامة، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن هناك “عدم عدالة” في عملية دعم الوقود؛ حيث المستهلك الأكبر له يستفيد أكثر من الدعم، عن من لا يستهلكه.
وبّين، أن الأشخاص الذين يمتلكون أكثر من سيارة، أو أسطولاً من سيارات الشحن، أو مصانع أو محلات تجارية، يستفيدون بمئات الألوف وقد تصل للملايين من الدعم، بينما المواطنين محدودي الدخل لا يستفيدون من دعم المحروقات، إلا بإنارة منزله أو سيارته الخاصة إذا كان يمتلكها.
ولفت إلى أنه بالمقابل، هناك مشكلة “زيادة” الاستهلاك، موضحًا أن سعر الوقود رخيص حاليًا، وفق سعر الصرف المعلن وهو أربعة دينار ونصف، أي بتكلفة “2 سنت”، في حين خارج ليبيا يٌكلف 55 سنت، أي أكثر من نصف دولار.
واعتبر دريجة، أن انخفاض تكلفة الوقود، يمثل حافزًا للتهريب، منوهًا بأن الديزل الذي يتم تخصيصه للكهرباء وللشاحنات، يتم تهريبه إلى خارج البلاد؛ حيث تم ضبطه في مالطا وإيطاليا وتونس ومصر ودول أخرى.
كما نوه إلى أن ظاهرة التهريب، هي ظاهرة قديمة، مستدلاً بوجود السلع الليبية المدعومة في دول الجوار إبان وجود جمعيات في ليبيا، مبينًا أن السبب هو عندما يكون هناك فارق سعر كبير، يكون من الصعب ضبط الوقود.
وأعتقد أن القضاء على التهريب من خلال ضبط الحدود، هي عملية لن تقضي على هذه الظاهرة، قائلا: “لو أن فكرة الحكومات تستطيع ضبط الحدود للحد من التهريب، لكانت الدول قضت على تجارة المخدرات”، مؤكدًا أن سبب عدم استطاعة الدول القضاء على تجارة المخدرات والممنوعات، هو هامش الربح الكبير جدًا.
وأضاف: “نفس الشيء عندما يكون تكلفة لتر الوقود في ليبيا 2 سنت ويتم بيعه بـ 50 سنت، فلن تستطيع الحكومة إذن القضاء على التهريب”، مشيرًا إلى أن المُهربين لديهم طرق آمنة للوصول إلى الدول المعنية بالوقود، منها على سبيل المثال تسهيل الدول الفقيرة عملية دخول المهرب لها؛ حيث يأتيها مدعومًا من دولة أخرى، وبالتالي يوفر عليها عملة صعبة.
وعن الحل أو العلاج، رأى دريجة، أنه يكمن في القضاء على ما وصفه بـ “التشوه”، الموجود في السوق، مُبينا أن وجود الوقود في ليبيا بسعر أقل من العالم وغير حقيقي، يسبب تصرفات غير مطلوبة وعلى رأسها التهريب.
كما رأى أن علاج مشكلة الدعم عمومًا، في معرفة من الذي يستحق الدعم، معربًا عن استغرابه أن يتحصل صاحب الملايين والمليارات في ليبيا، على كهرباء وبنزين مدعومًا.
وشدد على أن من يستحق الدعم هم أصحاب الدخل المنخفض وأصحاب المشاريع الكبيرة وأصحاب المعاش الأساسي، إضافة إلى الطلبة، مشيرًا إلى أهمية وجود شبكة “ضمان اجتماعي”، توضح من يحتاج الدعم ومن لا يحتاجه، معتبرًا أن من دخله يزيد عن 500 ألف في السنة، لا يستحق الدعم.
ونوه إلى أن الكهرباء في ليبيا، التي من المفترض أن تعمل بالغاز، تستهلك أكثر من 4 مليارات لتر ديزل في السنة، بسبب التهريب، معتبرًا أن استهلاك البلاد 12 مليار متر مكعب من الوقود في السنة، “شيء غير معقول”، على حد تعبيره، حيث أن عدد السيارات داخل ليبيا قليلة بالنسبة لهذا الاستهلاك.
واستطرد: “الأرقام تقول أن هناك تهريب لا يقل عن الثٌلث من هذا الاستهلاك”، حاثًا على ضرورة الأخذ في الاعتبار أن ليبيا الآن ليس بها مواصلات عامة ولا مواصلات خاصة كافية.
وحول توقيت عملية رفع الدعم، قال دريجة: “في ظل سعر الصرف المقدر بـ4.5 دينار، توقيتها خاطئ”؛ حيث الهدف تنزيل سعر الصرف عن 4.5 دينار.
وفيما يتعلق بمدى فائدة علاوة الأسرة في ظل الوضع الاقتصادي الحالي، رأى دريجة أنها مفيدة للمواطن الذي يحتاج إلى الدعم ولكن فيها في نفس الوقت عيب، ولهذا فشلت، موضحًا أنه عندما أجيز قانون علاوة العائلة، كان هناك تّوقع بأن دخل ليبيا سيكون 50 مليار في السنة.
وتابع: “والآن دخلنا 16 مليار، ولهذا توقفت الحكومة عن دفع علاوة الأسرة بعد إغلاق الموانئ النفطية؛ حيث تأثر دخل البلاد”، مستنكرًا منح علاوة الأسرة للمواطن الذي يمتلك مئات الهكتارات من الأراضي ونصف شارع في المدن الكبرى.
واستطرد: “ليش نعطيه، هو مش طالبها، هو يلقاها في حساب بنكي”، متسائلاً: لماذا في ليبيا لا يوجد قاعدة بيانات؟ قبل أن يشير إلى أن هذه القاعدة ستسهل إلى جانب معرفة من يستحق الدعم، معرفة من دفع الضرائب ومن لا يدفعها.
وأكد في السياق على أن هنالك أشخاص خلال العامين الماضيين وردوا إلى البلاد سلع بأكثر من 100 مليار دولار، مقابل تقديم إقرار جمركي بـ50 ألف.
وبشأن الميزانية العامة لسنة 2021م، أشار دريجة، إلى أن هناك نقطة حقيقية يثيرها الرأي العام، حول أن الدولة تريد رفع الدعم قبل ضبط مصروفاتها، معتقدًا أن هناك حلين، إما استمرار تنفيذ مطالبات الشعب بزيادة المرتبات مع استمرار ارتفاع أسعار السلع، عامًا تلو الآخر، على غرار ما حدث في دول أخرى مثل السودان والعراق وموزمبيق، أو عدم الاستجابة إلى المطالب وإعطاء بدلاً منها مساعدة مؤقتة لأصحاب الدخول الضعيفة، بالتوازي مع تخفيض سعر الدولار، بحيث تصبح الميزانية 60 مليار بدلاً من 100 مليار.
وأكد أن ارتفاع الميزانية العامة للبلاد في ظل سعر الصرف الحالي وكمية الدولار الموجودة، لن تؤدي إلى نجاح المصرف المركزي في تخفيض سعر الصرف إلى 3.25 العام القادم، مشددا على أن الإصلاح الاقتصادي لا يمكن تأجيله أكثر من ذلك.
اضف تعليق