يُعيد عزل البرلمان الليبي لفتحي باشاغا رئيس الحكومة الذي عينها في مارس من العام الماضي، رسم الخارطة السياسية في شرق البلاد، لكنه يسلط الضوء أيضا على حالة من الاضطراب السياسي قد تخدم أطرافا وتضعف أخرى، بينما يجري رجل الشرق القوي خليفة حفتر ترتيبات تحسن وضعه فيما يطمح لخوض الانتخابات الرئاسية التي يجري الترتيب لها عبر حوار ونقاشات مع السلطة في غرب البلاد التي يديرها عبدالحميد الدبيبة، حسب تقرير لجريدة العرب اللندنية.
ووفقا للتقرير “المشهد بتجلياته الراهنة يبرز مسار جديدا للأزمة بعد ‘تحالف’ المصلحة بين حفتر وعبدالحميد الدبيبة، حيث ذكر مصدر سياسي أنها توصلا لاتفاق بوساطة مصرية على تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد سنوات من العداء.
ولا يبدو الأمر مستغربا في سياقاته فحفتر الذي شن هجوما عسكريا على طرابلس في العام 2019 التي كانت تديرها حكومة الوفاق الوطني برئاسة رجل الأعمال البريطاني الليبي فايز السراج، سبق له أن تحالف مع باشاغا وهو الذي شغل حقيبة الداخلية في عهد السراج ضمن صفقة في الانتخابات السابقة التي لم تجر وضمن ترتيبات لاحقة جاءت به رئيسا لحكومة لم يعمر فيها طويلا.
ويعكس تعليق عمل رئيس الحكومة التي تتخذ من الشرق الليبي مقرا، اضطرابات داخل المعسكر السياسي في الشرق، ما قد يؤدي بشكل غير متوقع إلى تقارب مع الحكومة في طرابلس وربما يسهل إجراء انتخابات في البلاد، بحسب محللين.
وعيّن مجلس النواب الذي يتخذ من الشرق مقرا، فتحي باشاغا “رئيسا للوزراء” في مارس 2022 بهدف إزاحة حكومة عبدالحميد الدبيبة المعترف بها دوليا في طرابلس (غرب) والتي تعتبر عمليا منتهية الصلاحية وخاضت منذ تشكيل حكومة موازية لها معركة على الشرعية . وتمّ “إيقاف” فتحي باشاغا في 16 مايو من دون أن ينجح في الإطاحة بمنافسه.
وفي العام 2022، حاول باشاغا عبر قوات موالية له دخول طرابلس لفرض واقع جديد، ولكن بعد ساعات من اشتباكات عنيفة بين مجموعات موالية له وأخرى موالية للدبيبة، تم صدّ أنصاره. وخلّفت المعارك أضرارا مادية جسيمة في العاصمة.
ومنذ ذلك الحين، استقرّ مع حكومته في سرت (وسط)، ليتلاشى حضوره تدريجيا ويبدو أنه فقد الداعم الأساسي له المتمثل بالمشير خليفة حفتر، الرجل القوي في شرق البلاد.
واقترب باشاغا المتحدّر من مدينة مصراتة، المرفق الكبير في غرب ليبيا، من حفتر في ديسمبر 2021 باسم “المصالحة الوطنية” بعد إرجاء الانتخابات التي كان يفترض أن تنهي الفوضى التي أعقبت سقوط معمر القذافي عام 2011 بعد 42 عاما في الحكم، إلى أجل غير مسمى.
ويرى مدير مركز الدراسات والبحوث حول العالم العربي والمتوسط في جنيف حسني عبيدي أن البرلمان “لم يوقف باشاغا فحسب، بل علّق الحياة السياسية لرجل مصراتة القوي السابق”، مضيفا أن “رحيل باشاغا المهين يعكس الخلافات في المعسكر الشرقي، لا سيما بين حفتر ومحيطه ممثلا بأبنائه والبرلمان برئاسة عقيلة صالح” الذي ينتمي إلى قبيلة كبيرة في شرق ليبيا.
ويرى عبيدي أن الدبيبة “استغلّ الشلل الذي أصاب الحكومة الشرقية لتعزيز قبضته على الحياة السياسية والاقتصادية في ليبيا”.
ويعتقد الباحث عماد الدين بادي من مركز أبحاث المبادرة العالمية، أنه بالنسبة لعشيرة المشير حفتر “لطالما كان لباشاغا تاريخ انتهاء صلاحية”، و”فائدته انتهت في اليوم الذي فقد فيه إمكانية الاستقرار في طرابلس”.
وتقرّر تعليق عمل باشاغا وإحالته للتحقيق الإداري قبل شهر من الموعد النهائي الذي حددته الأمم المتحدة في منتصف يونيو لجلب الأطراف الليبية للاتفاق على أساس قانوني يسمح بإجراء الانتخابات التي طال انتظارها في نهاية عام 2023 لتهدئة البلاد.
وخلال جلسة البرلمان المغلقة، علّق مجلس النواب عمل فتحي باشاغا وكلّف “وزير المالية أسامة حمد بإدارة شؤون رئيس الوزراء”، في انتظار استنتاجات “تحقيق” طلبه مجلس الوزراء. وتزامن قرار العزل مع تقارير إعلامية عن خطط لحصول تقارب بين حفتر والدبيبة.
وقد أفادت التقارير أن إبراهيم الدبيبة، ابن شقيق رئيس وزراء طرابلس وصدام حفتر نجل خليفة حفتر الأكثر نشاطا، يجريان محادثات منذ شهور.
ويرى الباحث جلال حرشاوي المتخصص في شؤون ليبيا أن رغبة هذين الشخصين الليبيين في استيعاب بعضهما البعض هو أحد أسباب سقوط باشاغا، مضيفا “التطورات والمؤامرات الحالية تظهر القوة المذهلة للنخب الموجودة في المشهد الليبي الحالي”.
ويتوقّع المحلّل السياسي الليبي عبدالله الريس أن تعكس هذه التحركات السياسية نتائج “اتفاقات جديدة بين حفتر والدبيبة”، تتويجا لـ”مفاوضات سرية في القاهرة” بين ممثلين عن الرجلين بهدف “تشكيل حكومة ائتلافية جديدة أو تعديل وزاري” ينهي الخلاف المحموم بين الرجلين، معتبرا أن”هذه خطوة تسبق أي اتفاق على الانتخابات”.
وتؤكد هذه التطورات صحة ما كشف عنه مصدر سياسي ليبي مطلع على مباحثات بين ممثلين عن حفتر والدبيبة. ونقلت وكالة الأناضول التركية الثلاثاء عن هذا المصدر الذي لم تكشف هويته، تفاصيل اتفاق غير معلن الرجلين على تشكيل حكومة ليبية موحدة.
وقال إن ذلك جاء خلال مشاورات جرت مؤخرا في العاصمة المصرية القاهرة بين وفود من حكومة الوحدة الوطنية ومندوبين عن حفتر وبتمثيل أقل من مجلس النواب، موضحا أن الاتفاق “ينص على أن يكون الدبيبة رئيسا للحكومة الموحدة المقبلة، مقابل تنازله عن الضغط الذي يمارسه لإقصاء حفتر من (المشاركة في) الانتخابات الرئاسية المقبلة”.
وتابع أن الدبيبة “بموجب الاتفاق سوف يمتنع عن الضغط الذي كان يمارسه بشكل سري، لإقصاء حفتر من الترشح للانتخابات الرئاسية”، مضيفا “بموجب ذلك الامتناع من قبل الدبيبة سيسمح بإقرار قوانين انتخابية تسمح لمزدوجي الجنسية والعسكريين من دخول السباق الانتخابي، وهما أمران كانا سيقصيان حفتر حيث ينطبقان عليه كونه يحمل الجنسية الأميركية وكذلك عسكريا”.
ولفت إلى أن فتحي باشاغا رئيس الحكومة المعينة من قبل مجلس النواب (شرق) رفض اتفاق الدبيبة وحفتر الذي كان من المفترض أن يتولى بموجبه منصب نائب رئيس حكومة الوحدة”.
وبحسب المصدر نفسه، فإن باشاغا “رفض أن يكون نائبا للدبيبة في رئاسة الحكومة المقبلة الموحدة ما دفع حفتر للضغط على مجلس النواب لتوقيفه عن رئاسة الحكومة”. (جريدة العرب اللندنية).
اضف تعليق